أول من أمس عادت إلى بيتها بالسلامة، الزميلة والصديقة العزيزة عايدة محمود، بعد عام وثمانية أشهر غيبت فيها لسبب لا يعلمه أي ممن تابعوا قضيتها من السادة المحامين والقريبين منها، ولا عايدة نفسها تعلم سبب القبض عليها في الساعات الأولى من الصباح على يد قوات بهذا الحجم والاستعدادات في حين كان يكفي أن تصلها رسالة تستدعيها للتحقيق..
لم تكن عايدة هي الحالة الوحيدة وإنما هي من بين آلاف الحالات المشابهة التي التي لم تتوقف، فمع كل إفراج يدخل جدد في التجربة التي نسأل الله أن تنتهي، سبق عايدة في هذه التجربة التي تكاد أن تكون مكررة الصديق العزيز الدكتور خالد عزب حين كان يشغل منصب نائب مدير مكتبة الإسكندرية ومدير المشروعات في المكتبة الذي قضى أيضا ما يقرب من العامين محبوسا احتياطيا بتهم لم تثبت، والتي أصبحت نمطاً لما يصفه المحامون بقضايا الثلاجة، هناك آلاف لا يزالوا محبوسين احتياطيا باتهامات مماثلة ولا يعرف أحد سببا واضحا لاعتقالهم..
الأخطر، أن هناك آلاف من الشباب صغير السن الذين تسوقهم أقدارهم وتلقي بهم في هذه التجربة، ليخرجوا بعدها وقد تحولوا إلى الفكر المتشدد والمتطرف، ولا يتم الإفراج عنهم إلا بعد الإطمئنان إلى أنهم استوعبوا هذا الفكر وشربوه، كما لو كان الأمر برنامجا ممنهجا لنشر هذا الفكر بين الشباب، وهذا أحد الأضرار الناجمة عن الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، الذي لم ينته رغم المطالبات والمناشدات قبل الحوار الوطني وأثناءه وبعده، وتجري المساومة الآن لتقنينه من خلال القانون المنتظر أن يصدره مجلس النواب، والذي يعصف بالضمانات الممنوحة للمتهمين والمحامين ويفرغ مبدأ استقلال القضاء من أي مضمون أو آليات، وعلى الرغم من الأصوات العاقلة التي طالبت ولا تزال تطالب بإعادة نظر جذرية في القانون إلا أن هناك إصراراً على تمريره.
يدور الآن حديث هامس عن صفقة سياسية ومصالحات يجري ترتيبها مع جماعة الإخوان المسلمين، ونلمس لهذا الحديث مؤشرات مشهودة، بالتأكيد إننا نرحب بأي مصالحة تسهم في تطوير الحياة السياسية والعمل العام في مصر، وما يترتب على هذه المصالحة من منافع للناس، لكن من الواجب الذي يمليه الضمير أن ننبه من خطورة أن تكون هذه المصالحة سبباً في إعادة تكرار المشهد الذي كان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ومن خطورة أن تتم هذه المصالحة بمعزل عن خطة للنهوض بالعمل السياسي في مصر وخطة ممنهجة لإحداث تحول ديمقراطي يرسخ الديمقراطية كآلية لتداول السلطة وأسلوب للحكم واتخاذ القرار وثقافة تتجذر في حياتنا العامة، الخطوة الأولى على هذا الطريق بإنهاء الإجراء الاستثناني الخاص بالحبس الاحتياطي لمدد طويلة تتجاوز ما استقرت عليه الأعراف والقوانين في كثير من الدول واستقر عليه العرف والقانون في مصر قبل التعديل الذي أدخل في ظروف استثنائية كانت تمر بها البلاد، وكبديل لحالة الطوارئ التي تم إلغاؤها، والتريث في إصدار قانون الإجراءات الجنائية مع الاكتفاء بتقديم بعض التنازلات الشكلية دون المساس بمواد تشكل انتهاكا لحقوق الفرد الطبيعية والمنصوص عليها في الدستور وفي القوانين وفي المواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها مصر.
بدون هذه الإجراءات ستكون المصالحة خطوة لتعميق أزمتنا السياسية وترسيخها وزيادة اختلال الأوضاع السياسية المختلة أصلاً، ونذكر بأن أحداث التاريخ لا تتكرر، وإن تكررت فإن تكرارها قد يكون ملهاة مقارنة بمأساوية الحدث الأول، أو قد يكون أكثر مأساوية مما سبق.
------------------------------
بقلم: أشرف راضي